أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – موقفان مشرفان سجلتهما الدبلوماسية الكويتية في اليومين الماضيين، ليسا غريبين عن مواقف الكويت الوطنية والقومية والمساندة للحق الفلسطيني.
الأول؛ إعلان سفارة دولة الكويت في الأردن اعتذارها عن عدم إقامة الحفل السنوي للأعياد الوطنية لهذا العام. تضامنا مع الأشقاء في غزة وما يتعرضون له من اعتداء وحشي وإبادة جماعية.
والثاني؛ الموقف الإنساني الكبير والصادق الذي ظهر به مندوب الكويت السفير علي الظفيري وقد غلبه وجع قلبه على ما يجري في غزة فبكى بحرقة في أثناء حديثه عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة خلال مرافعة الكويت أمام محكمة العدل الدُّولية لإصدار رأيها الاستشاري حول العواقب القانونية الناشئة عن الاحتلال.
منعتني سنوات الكورونا اللعينة من زيارة الكويت التي أمضيت فيها نحو ثلاث سنوات من نهاية عام 2007، حتى منتصف عام 2010، وكنت أزورها سنويا، ولي فيها من الأصدقاء الحميمين، والأقرب إلى القلب والروح، أتواصل معهم باستمرار، برغم أن الموت غيب أعز الأصدقاء الصحافي والشاعر الجميل سعد المعطش أبو صالح رحمه الله.
وكنت قد حضرت برفقة وفد إعلامي أردني كبير في سبتمبر 2022 انتخابات مجلس الأمة، حيث كانت هذه الدورة مختلفة كثيرا، حيث رجع إلى سباق التنافس شخصيات كويتية برلمانية عريقة كانت قد غابت سنوات من وزن أحمد السعدون، كما دخلت عناوين جديدة وبرامج غريبة عن الانتخابات والمجتمع الكويتي المتحضر مثل وثيقة القيم التي وقعها بعض المرشحين وتشمل 12 بندا من أبرزها “العمل على تطبيق قانون منع الاختلاط، رفض المهرجانات الهابطة، رفض المسابح والنوادي المختلطة، تفعيل قانون اللباس المحتشم، العمل على وقف الابتذال الأخلاقي” كما تدعو المرشح الذي يصل إلى مجلس الأمة إلى “تعديل قانون التشبه بالجنس الآخر، تطبيق قانون تجريم الوشوم الظاهرة على الجسد”، ومن حسن الحظ أن دعاة هذا التيار لم يحالفهم الحظ في النجاح، فالمجتمع الكويتي عينه على التحضر والمستقبل، ولا يريد العودة للخلف.
محبو الكويت والقلقون على تجربتها يعرفون الحكمة المتزنة والدبلوماسية الهادئة التي تتمتع بها القيادة الكويتية، والسياسة الدبلوماسية الهادئة في تضميد الجراح الخليجية والعربية والعالمية.
فلولا المبادرة الكويتية والسياسة الناعمة لانفجرت الأزمة الخليجية، وتوسع الشقاق إلى ما لا تحمد عقباه.
ولولا الدبلوماسية الكويتية الهادئة المتزنة لانفرط عقد العرب في اجتماعهم الأخير في الكويت في القمة العربية “قمة التضامن” قبل سنوات في إثر الخلاف حول سورية ومَن يمثلها في القمة، بعد أن انقسم العرب عربين، كل يريد النار إلى قُرصه.
والكويت صمام أمان في الموضوع الفلسطيني ورفض التطبيع، ففلسطين لا تغيب عن الدور الإنساني والسياسي في العمل الدبلوماسي الكويتي، والدور الذي لعبته الكويت في مسار القضية الفلسطينية لا يختلف عليه اثنان، فعلى أرض الكويت أُسّست منظمة التحرير الفلسطينية، فكانت الكويت حاضنة للعمل الفلسطيني السياسي والشعبي.
يكفي الكويت أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي تتمتع ببرلمان منتخب، ودستور متقدم، وإعلام مستقل، وسلطات برلمانية تسمح باستجواب أي مسؤول.
لا أخفي إعجابي الدائم ببساطة وحزم إدارة الحكم في الكويت، فقبل سنوات في أثناء استقبال المرحوم الشيخ صباح الأحمد شخصيات سياسية أردنية من وزن طاهر المصري (أطال الله عمره) والمرحوم فايز الطراونة بادرهم بالسؤال: يا جماعة الخير.. ما الذي يحصل في عالمنا العربي؟. طبعا المسؤول ليس بأعلم من السائل صاحب الخبرة الطويلة في العمل السياسي والدبلوماسي والدُّولي، لكنه سؤال الغصة الذي يجرح الحلق والصدر.
الدايم الله….