الأول نيوز – د : مارغو حداد-
في يوم المرأة العالمي، لا نعيد صياغة الأسئلة القديمة عن حقوقها، بل نكتب الحقيقة كما هي: المرأة ليست ضلعًا قاصرًا، وليست كائنًا ناقصًا يبحث عن اكتمال. هي فعلٌ كامل، ووجودٌ لا يُختصر في وظيفة أو دور مرسوم سلفًا.
منذ أن وقفت المرأة على المسرح، منذ أن حملت الفلاحة المعول في الحقل، منذ أن دخلت قاعات الجامعات، ومنذ أن خطّت اسمها على اللوحات والكتب والجدران، كانت تقول للعالم إنها ليست ظلًا لأحد. الفن ذاته—بمختلف حركاته التي نادت بالتحرر والتغيير—شهد على ذلك، من السريالية التي حطّمت قوالب العقل التقليدية، إلى الحداثة التي فتحت الأبواب أمام التجريب، إلى النسوية التي رفضت أن تكون المرأة موضوعًا في اللوحة وقررت أن تكون الرسّامة.
المرأة في الفنون ليست حكاية بدأت في القرن العشرين، بل قصة قديمة قِدَم الضوء واللون. على جدران الكهوف، كانت المرأة مرسومة كأم وصائدة، لا أقل شأنًا من الرجل. وفي الحضارات الأولى، لم تكن مجرد مخلوق تابع، بل كانت آلهة. عشتار، إيزيس، أرتيميس، كيليوباترا—أسماء لا يمكن محوها من ذاكرة الفن، لأنها لم تكن مجرد رموز دينية، بل كانت التجسيد الأول للسلطة الأنثوية في الخيال البشري.
وحين ازدهرت الفنون، كانت المرأة الوجه الذي يحمله الجمال والتراجيديا معًا. في المسرح الإغريقي، مُنعت من التمثيل، لكنها بقيت روح المأساة في شخصيات ميديا وكليتمنسترا. في الأوبرا، كانت الصوت الذي يعلو بالحب والموت، من كارمن إلى مدام بترفلاي. وفي الرسم، تحوّلت من رمز غامض في لوحات دافنشي إلى أيقونة مقاومة كما في أعمال فريدا كاهلو.
لكن السينما، التي بدأت كمرآة للحياة، لم تُنصف المرأة في بداياتها. كانت مجرد بطلة في قصص كتبها الرجال، حتى وقفت أجنيس فاردا خلف الكاميرا، وأعادت تعريف المشهد. لم يكن الأمر مجرد دخول إلى الصناعة، بل استعادة للصوت، كما فعلت كلارا بو، وغريتا غاربو، وإينغريد برغمان، ثم ميريل ستريب وجوليان مور، وصولًا إلى مخرجات أعدن كتابة السينما بعيون مختلفة، مثل كاثرين بيغلو وشانتال أكرمان.
المرأة في الفن لم تكن متفرّجة، بل كانت دائمًا هناك—ترسم، تؤلّف، تغني، تمثّل، تخرج، وتعيد تعريف دورها كلما حاول أحد وضعها في إطار ضيّق. ليست نصفًا يبحث عن نصفه، وليست تابعًا في حكاية أحد، بل هي صوت كامل، ولون أصيل، ومشهد لا يمكن للضوء أن يتجاوزه. المرأة هي النور الذي لا يخبو، والجمال الذي لا يُقيَّد، والقوة التي لا تنكسر. كنجمٍ لا يعرف الأفول، تبقى مشرقة، قوية، جميلة، بملامح رمزية عالية لا تتبدّل، لأنها لم تكن يومًا مجرد تفصيل في اللوحة، بل كانت اللوحة بأكملها.
واليوم، المرأة هي المصوّرة التي تلتقط اللحظات المبدعة، هي الصوت الذي يعبر عن الأفكار والمشاعر، هي الناقدة التي تضع الفن تحت مجهر البحث والتأمل، هي النحاتة التي تشكّل الواقع في تماثيلها، هي الرسّامة التي تخلق عوالم جديدة، هي المخرجة المسرحية التي تُحيي النصوص وتحوّلها إلى حياة، هي الكاتبة التي تعبر بالكلمات عن كل ما هو غير مُقال، هي الممثلة التي تنبض بالأحاسيس على خشبة المسرح وفي الشاشة الكبيرة، هي الأم في السينما التي تروي القصص وتعيد تشكيلها. هي أيضًا الدكتورة التي تُعلّم الفنون في الجامعات. أو في السينما. المرأة اليوم هي كل شيء في عالم الفنون، ولا تقتصر في أي دور، بل تملكها جميعًا، وتمتلك القدرة على خلق وتشكيل العوالم التي تلامس كل فرد في هذا العالم.
الآن حان وقتكِ لتكتبي كلمتكِ، تضعين الكاميرا في الزاوية التي تختارينها، وتنسجين الديكور الذي يتناغم مع رؤيتكِ. اختاري الألوان التي تعكس روحكِ، وأضيئي الإضاءة التي تلامس قلبكِ. اليوم، تقولين “أكشن”، وتبدأين الحياة من جديد، فأنتِ المبدعة التي تصنعين كل لحظة كما تشائين.