دفن المبادرة العربية في البحر الميت

أسامة الرنتيسي

منذ سنوات عديدة، لم تعد مؤتمرات القمة العربية، ولا الجامعة العربية برمتها تشكل عوامل جذب للمواطن العربي، الذي بات على قناعة راسخة أن هذه القمم عقيمة ولا يمكن أن تنتج شيئًا لمصلحته، وأن اتساع  الفتق  في الثوب العربي أكبر من أية قدرة على رتقه.

ما يلفت النظر في القمم العربية أنها مازالت تؤكد في بياناتها الختامية  تبنيها مبادرة السلام العربية، التي ماتت وشبعت موتًا، بينما لم تمت في عقلية من تبقى من النظام الرسمي العربي.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يُصرّ دومًا على اعتماد طريق واحد هو طريق المفاوضات، ولهذا يقول بوضوح: لن نخرج، ولن نيأس، ولن نستسلم، لكن في الوقت ذاته لن نقبل بقاء الوضع الراهن كما هو عليه، برفض اسرائيل إجراء المفاوضات واستمرار الاستيطان.

طريق عباس إلى السلام يعتمد فقط على المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وهي بعد أكثر من 20 عامًا لم تثمر شيئُا، وقائمة على مبادرة السلام العربية.

مبادرة السلام العربية معروضة للبيع في الأسواق الإسرائيلية من دون أن تجد من يشتريها، وبعد 15 عامًا منذ اقتراحها، من قبل ولي العهد السعودي آنذاك ـــ المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ خلال مؤتمر قمة جامعة الدول العربية التي انعقدت في بيروت في آذار (مارس) 2002، وتدعو إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب الخامس من يونيو(حزيران) عام 1967، حظيت بإجماع عربي خلال القمة، لكنها رفضت اسرائيليًا مذ لحظة اعلانها.

منذ إعلان المبادرة تكرّرت العبارات في بيانات الجامعة العربية واجتماعات لجنة المتابعة العربية عشرات المرات، من دون أن يتوقف أحد عند الألغام التي بين سطورها، إذ استمر  الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين وعن “حل عادل متفق عليه”. وهذه العبارة مأخوذة حرفيًا من مبادرة السلام العربية.

هَرِمنا ومعنا المبادرة العربية ولا يزال عباس يستحضرها في خطاباته، مع أن رجالاتها الذين شهدوا عليها وأجمعوا على أهميتها غادرونا كل في طريق، الرئيس المصري حسني مبارك غادرنا هو وفريق عمله إلى السجن، والرئيس التونسي زين العابدين منفي في جدة، واليمن في حرب اقليمية، وعلى الأرض السورية والليبية حرب عالمية ثالثة مصغرة، آلتها الشرسة لا تزال تطحن عظام أبناء الشعبين، كما شهدت الجزائر والمغرب حراكات سياسية مهمة ذات تأثير، بينما لا يزال لبنان يبحث عن استقراره، والعراق على حاله، يشهد متغيرات دراماتيكية منذ ولادة المبادرة العربية حتى الآن. ولم تسلم من التغيير الصومال وجزر القمر ودول الخليج، ولكل منها قصته وقضيته المعروفة، ونشأت في المنطقة دولة ارهابية جديدة احتلت نصف العراق وسورية، كل هذا التغيير والمبادرة العربية لم تتغير حتى الآن، بل استقرت على ما هي عليه.

بعد 15 عامًا من عمر المبادرة، والتغييرات التي وقعت في العالم العربي والعالم عامة، لم يعد إزاء الفلسطينيين ما يخسرونه، وبعد أن تراجع الاهتمام العربي والدولي بقضيتهم الى الخلف كثيرًا، يُفترض أن  تُطوّر المبادرة العربية ليرتفع سقفها، بألّا نقايض حق عودة اللاجئين بالدولة الفلسطينية، فالدولة حق، كما أن العودة حق وطني أيضًا، لا يحق  لقمّة عربية ولا لأي زعيم أو قائد أو رئيس  التخلى عن أي من هذين الحقّين.

قد تُحقق القمة العربية التي ستعقد في الأردن انجازا كبيرًا إن  استطاع رجالاتها  دفن المبادرة العربية في أخفض بقعة عن سطح الأرض (البحر الميت) لتذوب في مياهه المالحة.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

مطلوب في يوم المرأة أكثر من بيانات باهتة!

أسامة الرنتيسي –   الأول نيوز – فعليا؛ لم تعد الاحتفالات والأَعْيادُ الأممية ـ يوم …